بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ،اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السادس من دروس سورة آل عمران ، ومع الآية الرابعة عشرة ، وهي قوله تعالى :
( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
1 ـ زُيِّنَ لِلنَّاسِ
زُيِّنَ للناس ، الناس في القرآن تعني عامة البشر ، وإذا أراد الله أن يخاطب الناس عامة خاطبهم بأصول الدين ، أما إذا خاطب بفروع الدين فيخاطب بها المؤمنين ، لأن تطبيق فروع الدين يحتاج إلى الإيمان بأصول الدين ، فيخاطب الناس عامةً بأصول الدين ، ويخاطب المؤمنين خاصة بفروع الدين ، وإذا كان الشيء قاسمً مشتركًا بين جميع الخلق تأتي كلمة الناس ..
(زُيِّنَ )
فما من إنسانٍ على وجه الأرض إلا وقد أودِعَت فيه هذه الشهوات .
2 ـ مَن هو المُزَيِّن ؟
سؤال : من هو المزين ؟ قال بعض العلماء : إنه الله ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) ( سورة الكهف : من الآية 7 )
وبعضهم قال : المُزَيَّن هو الشيطان ، لأن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله ، وبعض العلماء قال : هذه الشهوات التي أودعها الله فينا ، والتي هي في أصل جبلَّتنا من تزيين الله لنا ، أما حينما يُزيَّن لنا أن نعصي الله بها فهذا من الشيطان .
الشهوات حيادية :
الآن ننتقل إلى موضوع آخر ، إذاً : الشهوات حيادية ؛ يمكن أن توظَّف في الخير أو في الشر ، في الطاعة أو في المعصية ، يمكن أن تكون سلَّماً نرقى به ، أو دركاتٍ نهوي بها ، يمكن أن تتزوج ، وقد لبَّيت نداء هذه الشهوة ، وأن تنجب أولاداً ، وأن تربي هؤلاء الأولاد ، وأن يكونوا أعلاماً في المجتمع ، وأن ترقى في الجنة بهم ، فكل هذا الخير جاءك من الزواج ، وأصل الزواج شهوةٌ نحو المرأة .
يمكن أن تكسب المال ، وأصل كسب المال شهوةٌ للمال ، لكنك كسبته من طريقٍ مشروع ، وأنفقته في وجهٍ مشروع ، فارتقيت به إلى أعلى عليين .
إذاً : أصل الجبلَّة ، أصل التزيين من الله عزَّ وجل ، لكن الله زيَّن ورسم منهجًا ، قال لك : أودعت فيك حب المرأة ، فتزوج ، الكافر أودع فيه حب المرأة ، فزنى ، المؤمن أودع فيه حب المال ، فكسبه من طريقٍ مشروع ، غير المؤمن أودع فيه حب المال ، فسرقه ، إذاً أصل التزيين من قِبَل الله عزَّ وجل .
هذا ينقلنا إلى أنه لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، لولا أنك تشتهي لا ترتقي إلى الله ، لأنك تشتهي ترتقي إلى الله مرتين ، مرةً بامتناعك عن شهوةٍ حرام ، ومرةً بممارسة شهوةٍ حلال ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ ، قَالَ : أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا)) .
[ مسلم ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]
فالشهوة إذا مورست بالطريق المشروع ترتقي بها .
التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة :
التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة ، ركِّب في طبعك حب المرأة ، فغضضت البصر عن امرأةٍ لا تحل لك ، ترتقي ، لولا أنك تحب هذه المرأة ، وأن تنظر إليها ، لما ارتقيت بغض البصر عليها ، لولا أنك تشتهي المال لا ترتقي بترك المال الحرام ، وقد تركل بقدمك مئات الألوف فيها شبهة ، إذاً لولا هذه الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، إنها سُلَّمٌ إلى الله ، هي في الوقت نفسه دركاتٌ إلى النار ، إن انطلقت بدافعٍ منها ، فمارستها بطريقٍ غير صحيح ، كانت دركات إلى النار .
إذاً : هي كما أقول دائماً : كالوقود السائل في السيارة ؛ إذا أودع في المستودعات المحكمة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ولَّد حركةً نافعة ، فإن خرج عن مساره دمَّر المركبة ومَن فيها ، الوقود السائل خطر فيه قوة انفجار ، فإما أن توظِّف هذا الانفجار في تحريك هذه المركبة ، فتنتفع بحركتها ، وإما أن توظِّف هذا الانفجار في تدمير هذه المركبة ، وهكذا الإنسان ؛ إما أنه مدمَّر بالشهوات ، أو أنه ينتفع بها إلى أقصى درجة .
فحب المال دفع رجلاً من بلد عربي مقيمًا في أمريكا إلى المقامرة ، يملك مليوني دولار ، خسرها في جلسةٍ واحدة ، فذهب إلى بيته ، وأطلق النار على زوجته ، وخنق أولاده الثلاثة ، ثم انتحر ، هذه شهوة ، ما الذي دفعه إلى القمار ؟ حب المال ، معه مليونان من الدولارات ، إذاً : الشهوات ليس لها حل وسط ، إن وظَّفتها في الحق ارتقيت بها ، وإن مارستها بلا منهج كانت دماراً عليك ، قال تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ)( سورة القصص : من الآية 50 )
المعنى المخالف : أنه من اتبع هواه وفق هدى الله عزَّ وجل فلا شيء عليه ..
(زُيِّنَ لِلنَّاس)
كيف ترقى إلى الله ؟
كيف ترقى إلى الله ؟ لا تحب المرأة ، ولا المال ، ولا العلو ، ولا الجاه ، ولا شيء ، فكيف ترقى ، امسك الآن قبضةً من رمل ، وأعطها فقيرًا ، هل ترقى ؟ ما لها قيمة عندك ، أما إن أعطيته ألف ليرة ، وأنت في أمسِّ الحاجة إليها ، وهذه الألف ليرة تحل مشكلات كثيرة معك ، فأنفقتها في سبيل الله حينئذ ترقى ، وإن رأيت مثلاً شابةً صغيرة ، وغضضت البصر عنها ، هل ترقى إلى الله ؟ لأنها غير محببة لك ، أما حينما تغض بصرك عن امرأةٍ جميلة لا تحل لك ترقى إلى الله ، لولا أنك تحب المرأة ، وتحب المال ، وتحب العلو في الأرض لما ارتقيت بطاعة الله ، إذاً : هذا التناقض بين التكليف وبين الشهوات هو ثمن الجنة ..
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6))
( سورة الليل )
اتقى أن يعصي الله ..
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41))
( سورة النازعات )
أنت في الطريق متاحٌ لك أن تعبد الله آلاف المرات دون أن تشعر ، كلما وقعت عينك على امرأة لا تحل لك ، فغضضت عنها البصر ، ارتقيت ، الله أعطاك أدوات الاتصال به ، لو فرضنا أن الأمور كلها بيد شخص ، يملك كل الأمور ، وما سمح لك أن تصل إليه ، لا تنتفع به ، الله عزَّ وجل عنده كل الخير ، لكن جعل لك وسائل ترقى إليه ، أودع فيك الشهوات كي تضبطها وفق منهج الله فترقى إلى الله ، فهذه المرأة مثلاً ، طبعاً أهون عليها ألف مرة أن ترتدي ثياباً خفيفة في الصيف ، ثياب شفافة خفيفة مريحة تظهر مفاتنها ، هي ترتدي ثيابًا فضفاضة ، وسميكة ، وتستر وجهها ، وتستر خطوط جسمها ، من أجل أن ترضي ربها ، إذاً : هي عاكست رغبتها في التخفيف ، والإنسان يحب التخفيف من الثياب في الصيف ، إذاً : هي تمارس عبادة اسمها الحجاب ، تسهم هذه العبادة في إعفاف الشباب ، والمرأة المؤمنة حينما تتحجب فهي تعبد الله ، بل إن كل مساحة من ثيابها تتعلَّق بدينها ، كل مساحة ؛ سماكة الثوب ، حجم الثوب ، اتساع الثوب ، لون الثوب ، كل شيء بهذه الكلمات عبادة لله عزَّ وجل .
فحينما تريد أن تصل إلى الله فقد رسم لك آلاف الطرق ؛ غض البصر وحده طريقٌ إلى الله سالك ، حجاب المرأة وحده طريقٌ إلى الله سالك ، امتناعك عن المال الحرام طريقٌ إلى الله سالك ، أخذك المال الحلال القليل ، ولحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعل الله كسب المال الحرام سهلاً ، وجعل كسب المال الحلال صعباً ، لو أن المسألة كانت معكوسة لا نرقى إلى الله ، فلو كان الحرام صعبًا جداً ، والحلال سهلاً لعزف الناس عن الحرام ؛ لا خوفاً من الله ، ولكن لأن ذلك أكثر اطمئنانًا ، وطلباً للراحة ، ولأقبلوا على الحلال ، فتعمل المرأة طوال اليوم بأربعمئة ليرة ، تأتي امرأةٌ بغي تأخذها في دقائق ، عمل ثماني ساعات بأربعمئة ، تأخذها بغيٌ في دقائق ، فلحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعل الله المال الحلال صعب الكسب .
ضع مالك في مصرف ربوي ، وأنت مرتاح ، إذا كان المبلغ كبيرًا فدخله وحده يكفيك طوال حياتك دون عمل ، لكنه حرام ، فلابد أن تفتح متجرًا ، وأن تشتري بضاعة ، وأن تبيع ، وأن تديّن ، وأن تجمع الديون ، وهذه أعمال صعبة ، فلأن المال الحرام سهلٌ كسبه ، ومحببٌ للنفس كسبه ، وأهون على النفس كسبه ، ولأن المال الحلال صعبٌ كسبه ، يأتي المؤمن فيختار الأصعب ، فيرقى إلى الله :
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)
( سورة آل عمران : من الآية 92 )
حينما تمتنع عن دخلٍ حرامٍ سهلٍ ، وتعمل عملاً شاقاً من أجل كسب مالٍ حلال ، ترقى إلى الله ، إذاً حينما تفهم أن هذه الشهوات لولاها لما كانت جنة ، وليس هناك شيء اسمه جنة لولا هذه الشهوات ، هذا الإنسان رُكِّب من شهوةٍ وعقل ، فإن غلبت شهوته عقله أصبح دون الحيوان ، وإن غلب عقله شهوته أصبح فوق الملائكة ، إذاً لا تقل كما يقول بعض الشعراء الجهلة :
يا رب خلقت الجمال فتنةًّّ *** وقلت : يا عبادي اتقون !
* * *
طبعاً خلقه فتنة كي تنجح في هذه الفتنة ، لا كي ترسب ، وما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوَّضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تَدَع شيئاً لله ثم لا تعوَّض خيراً منه ، عوَّضه الله خيراً منه في دينه ، بقي الطريق إلى الله سالكاً ، وجاءته الدنيا وهي راغمة ، ثم إن هناك حقيقة ، وهي أنه ما كان الله ليعذب قلباً بشهوةٍ تركها صاحبها في سبيل الله ، لا يعذبك بها ، ينزعها من نفسك إكراماً لك ، فإذاً أصل التزيين من الله .
لأحد الأئمة رأيٌ رائع : إن أقبلت على هذه الشهوات من طريقها المشروع أحببتها لذاتها ، دون أن تخرج عن منهج الله ، ولا شيء عليك ، أما طبيعة النفس فتحب الطعام الطيّب ، والمسكن الواسع ، والمرأة الجميلة ، فأنت أحببت هذه وفق منهج الله ، لم تَحِد عن منهج الله ولا خطوة ، وهي مباحة ، ولا شيء عليك ، لكن لا أجر فيها ولا وزر ، أما حينما تستعين بها على طاعة الله ، وحينما تكسب المال من أجل أن تنفقه في سبيل الله ، وحينما تتزوج من أجل أن تنجب أولاداً صالحين يكونوا دعاةً إلى الله من بعدك ، وحينما تسعى إلى مرتبةٍ علمية كي تدل الناس على الله ، أصبحت هذه الشهوات عبادةً من العبادات وأجراً .
لذلك قالوا : عادات المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات ، حينما تأكل وتسمِّي الله على الأكل ، تسمي الله على طعامك ، وحينما تقارب أهلك ، وهو شهوةٌ محضة ، وحينما تنجب أولاداً ، والأولاد من مُتَع الحياة الدنيا ، أما إن أردت من الزوجة أن تأخذ بيدها إلى الله ، وبالابن أن يكون ولداً صالحاً يدعو لك من بعدك ، وبالمال أن تنفقه في سبيل الله ، ارتقيت لا إلى المباح ، بل إلى الثواب والأجر ، فلك أجر ، " وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة " ، وكما قلت قبل قليل : وحينما تقترب من أهلك لك فيها أجر كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ )).
[ مسلم ، أحمد ]
إذاً : الله هو المزَيِّن ، أما الشيطان فيزين لك الزنا ، وأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر ، والعلو في الأرض ، فالشهوات بطريقٍ غير مشروع من تزيين الشيطان ، ومن طريقٍ مشروع من تزيين الرحمن .
حفت الجنة بالمكارة , وحفت النار بالشهوات :
الشيء الدقيق في هذا الدرس وهو محوره أن الجنة حفت بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ، وما من إنسان وصل لمرتبة في الدنيا عالية إلا بعد جهدٍ جهيد ، ومعاناةٍ كبيرة ، وما من إنسان آثر الراحة والاسترخاء ووصل إلى شيء ، هكذا قواعد الحياة ، وفي الحديث :
(( ... إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثًا ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُقِيَ الْفِتَنَ ...)) .
[ أحمد عن ابن عباس ]
يكفي أن تسترخي ، وأن تملأ عينيك من أية امرأة ، وأن تتكلم بأي كلام ، وأن تأخذ أي مال ؛ حلال ، حرام ، أن تبحث عن المال من أي مصدر ، وأن تملأ عينيك بالحرام من أية امرأة ، وأن تأكل ما تشتهي من دون ضبط ، هذه سهلٌ بسهوةٍ ، أما المؤمن فيتحرى ، هل هذا حرام أم حلال؟ هل يحق لي أن أنظر أو لا أنظر ؟
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ )
3 ـ مِنْ النِّسَاءِ
لقد جعل الله في مقدمة هذه الشهوات المرأة ، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )).
[ متفق عليه ]
فالمرأة أحياناً تذل الكبير ، بل رجال عظام يسقطون بامرأة ، وليس بعيداً عنكم أن منصباً عالياً جداً في عالم الغرب مُرِّغَ في الوحل بسبب امرأة ، ونشرت فضائح هذا اللقاء ، وسقطات هذا اللقاء على الإنترنت في ألفين وثمانمئة صفحة ، ما الذي أذله ؟ امرأة ، أما المؤمن فمحصَّن من امرأةٍ لا تحل له ، ومن مالٍ حرامٍ لا يحل له ، ما دمت قد حصَّنت نفسك من المرأة الحرام والمال الحرام فأنت في حصنٍ حصين ، ولن يستطيع أحدٌ أن يصل إليك .
ولا يخفى عنكم أن الله عزَّ وجل ذكر الأقارب في آياتٍ عديدة بتسلسل عجيب ، قال :
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ)
( سورة التوبة : من الآية 24)
جاء الأب في مقدمة الأقارب ، لأن الآية موطن اعتزاز اجتماعي ، فلان أبي ، أنا ابن فلان ، أما في موطن الشهوة ..
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ )
المرأة أولاً .
أما في موطن الفدية ..
(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ(11))
( سورة المعارج )
الابن غالٍ جداً .
أما في موطن المساعدة ..
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34))
( سورة عبس )
الأخ ، وذلك لأن الأب كبير في السن والابن صغير ، أما الذي يمكن أن يساعدك هو أخوك ، ففي موضع المساعدة الأخ ، الفدية الابن ، الشهوة المرأة ، الاعتزاز الأب .