يقول محمد فريد وجدي: لما كان القرآن روحا من أمر الله فلا جرم كانت له روحانية خاصة هي عندنا جهة إعجازه، والسبب الأكبر في انقطاع الإنس والجن عن محاكاة أقصر سورة من سوره، وارتعاد فرائص الصناديد والجبابرة عند سماعه (1).
(إن في هذا القرآن سرًا خاصًا يشعر به كل من يواجه نصوص القرآن ابتداءًا قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيه، إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن.
يشعر أن هنالك شيئًا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير، وأن هنالك عنصرًا ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن، يدركه بعض الناس واضحًا، ويدركه بعض الناس غامضًا، ولكنه على كل موجود .. هذا العنصر الذي ينسكب في الحس، يصعب تحديد مصدره: أهو العبارة ذاتها؟ أهو المعنى الكامن فيها؟
أهو الصور والظلال التي تشعها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة؟ أم أنها تشمل ما تقدم وشيئًا آخر وراءها غير محدود!
ذلك سر مودع في كل نص قرآني يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداءً ثم تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبر والنظر والتفكير في بناء القرآن كله) (2).
فالقرآن له سلطان الجلال والمهابة يستولى على قلوب المخاطبين استيلاءً (كالقهر وما هو بالقهر، له فعل في القلوب كالسحر وما هو بالسحر، لا يختص ذلك بالأنصار دون الخصوم، ولا بمحالفيه دون مخالفيه، بل يغزو القلب من حيث لا يمكن لصاحبه رد، ويؤثر فيه من حيث لا يمكن دفع، أثر في الأعداء كما أثر في الأتباع) (3).
__________